الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الخبير في الإعلام عبد الكريم الحيزاوي يدعو إلى بعث جائزة نجيبة الحمروني لحرية الاعلام

نشر في  08 جوان 2016  (11:03)

دعا الخبير الإعلامي عبد الكريم الحيزاوي إلى بعث جائزة وطنية في مجال الإعلام تحمل اسم نقيبة الصحافيين الفقيدة نجيبة الحمروني. حول هذه الجائزة ودواعيها جمعنا لقاء بالدكتور المحاضر بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار عبد الكريم الحيزاوي الذي استحضر نضال النقيبة نجيبة الحمروني وشخص خصوصيات المرحلة التي عرفتها البلاد على المستويين السياسي والإعلامي بعد اندلاع ثورة 14 جانفي فضلا عن مستجدات القانون الجديد الذي سينظم قطاع الاعلام واستحداث مجلس للصحافة.
بكثير من الدقة ووضوح الرؤية، تحدث الحيزاوي فكان الحوار التالي:

فكرتم في بعث جائزة تحمل اسم فقيدة الصحافة نجيبة الحمروني، فهل من توضيح حول هذه الجائزة؟
اعتبارا لرمزية نجيبة الحمروني والوقفة التي وقفتها في فترة صعبة جدّا تلت انتخابات أكتوبر 2011، أنادي ببعث جائزة نجيبة الحمروني لحرية الاعلام، ففي ظرف 3 سنوات -المدة النيابية التي ترأست فيها نقابة الصحفيين- سجلت نجيبة الحمروني اسمها في التاريخ، فقد أنقذت قطاع الإعلام من أكبر المخاطر التي تعرض لها، فبعد الانتخابات سمعنا أصواتا تريد السيطرة على قطاع الإعلام من منطق الشرعية والثورة وبدعوى أن هذا إعلام عار وشاهدنا التهجمات التي تعرض لها الإعلاميون وتابعنا كذلك محاصرة مؤسسة التلفزة والتهديدات والإرهاب المعنوي والفكري الذي سلط على الإعلاميين. في تلك الفترة التي أراد فيها تيار أن يفرض بديلا سياسيا وثقافيا وفكريا وإعلاميا، في تلك الفترة كان يجب أن يكون هناك من يصمد ومن تكون له الشجاعة ووضوح رؤية ورباطة جأش حتى يقول لا! نجيبة الحمروني كانت رمز ذلك الصمود.
ذهبت السلطة المنتخبة آنذاك الى حد التفكير في مراجعة مراسيم الاعلام !
تماما، كانت الحكومة ذاهبة في اتجاه مراجعة المرسومين 115 و116 وفرض تسميات على رأس الإذاعة والتلفزة ودار الصباح، وتتذكرون ماذا حدث وكان للحكومة أغلبية في المجلس التأسيسي وكان الشارع مجندا ومجيشا ضد الصحافيين والإعلاميين في أصعب وأخطر فترة كان يجب فيها أن يقف الإعلاميون كسد منيع، وقد صمدوا بالفعل وكان رمزهم بالإجماع المرحومة نجيبة الحمروني.
لن ننسى أننا كنا في صراع مع شق يريد الشد الى الوراء وارجاع الصحافة الى بيت الطاعة وتلبية مآرب تجارية وغيرها، هذا الشق كان ضدّ المبادئ التي ناضلت من أجلها نجيبة الحمروني.. كما لا يمكن أن ننسى التهجم الذي تعرضت له الفقيدة، فأن تشتم شخصا بناء على لون بشرته، جريمة عنصرية يعاقب عليها القانون الجزائي اضافة إلى الأخلاقيات.
 ومن هذا المنطلق أقترح أن يتم إحداث جائزة وطنية سنوية لحرية الصحافة تحمل اسم نجيبة الحمروني. كانت هناك سابقا جائزة الهادي العبيدي لكن تمّ تحويل وجهتها، فأصبحت جائزة السلطة وتسندها الحكومات السابقة بتواطؤ مع مكتب جمعية الصحافيين سابقا..
 اليوم نحتاج الى جائزة تميز وتكافئ أفضل مدافع عن حرية الصحافة كل سنة... وأقترح أنّ تكون الهيئة المشرفة على تسليم هذه الجائزة مكونة من لجنة باقتراح من نقابة الصحافيين ومن معهد الصحافة وعلوم الاخبار. وقد كانت نجيبة رمزا من رموز النقابة وهي أيضا خريجة معهد الصحافة وتحمل الفكر المستنير الذي تلقت جانبا منه في تكوينها الأكاديمي.
وتكون الجائزة بمثابة الخدمة التي تقدمها نجيبة لقطاع الاعلام حتى بعد انتقالها لمثواها الأخير، تقدمها للدفاع عن حرية الصحافة وعن كرامة المهنة التي نحتاج أن تبقى صامدة لدعم المسار الديمقراطي والحريات في تونس. فما سيبقى في الذاكرة هو صحافة الحرية ومقاومة الاستبداد، صحافة صوت من لا صوت له، وهي الصحافة التي نريد دعمها وتطويرها..
تسلمت نجيبة الحمروني مقاليد نقابة الصحافيين في جوان 2011، وقد تعثر مسار الإعلامي آنذاك، فما سبب ذلك؟
سنة 2011، ذهبنا في اتجاه صحيح لما وضعنا إصلاح الإعلام كمهمة متأكدة وشرطا من شروط الإصلاح السياسي.. ولهذا تمّ بعث الهيئة الوطنية لإصلاح الاعلام والاتصال (INRIC) وانطلقت عملية الاصلاح في الاتجاه الصحيح وذلك بالاستئناس بالمعايير الدولية.. قلنا لن ننطلق من الخصوصيات التونسية «المشبوهة» أو من تراثنا التعيس في مجال الحريّات بل طموحنا هو الارتقاء الى مصاف الدول الديمقراطية من خلال اعتماد مبادئ الأمم المتحدة والأونسكو وهي مبادئ الحرية والتعددية والجودة وغيرها...
هذا المسار أثمر 3 نصوص جيدة وهي المرسوم 41 للنفاذ الى مصادر المعلومات، وهي أوّل مرّة يتم فيها إثبات هذا الحق في نص تشريعي رغم أنّه لم يكن هناك برلمان في ذلك الوقت، بل كانت هناك الهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة.. وهناك أيضا المرسومان 115 و116، أولهما يضمن حرية التعبير وحرية الصحافة وتنظيم الصحافة المكتوبة والثاني ينظم وينص على حرية الاتصال السمعي البصري وذلك في ظرف وجيز جدّا ودون أن يكون هناك إشراف حكومي، كان حينها المجتمع المدني والمهنيون والحقوقيون مبادرين وكانت الحكومة الانتقالية الأولى للباجي قايد السبسي داعمة لهذا المسار..
متى وقع الخلل إذا؟
ولكن حالما صدرت نتائج الانتخابات التشريعية الأولى في 2011، انتصبت سلطة أرادت أن تراجع كل شيء... عندها توقف مسار الإصلاح وانتكس في بعض الحالات حتى أنّه في جانفي 2012 حدث اعتصام بعد انهاء مهام مديري الإذاعة والتلفزة وتسمية مديرين جدد بدون استشارة فضلا عن بداية الإعلان عن نصوص جديدة تعوض المرسومين 115 و116، كما تم اهمال تام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام ولمجهوداتها حتى أنّها اضطرت لإيقاف نشاطها وحلّ نفسها في جويلية 2012.. وكان ذلك بمثابة الضربة القاصمة لمسار الإصلاح والتي أتت من قبل حكومة الترويكا الأولى، ولسائل أن يسأل من صمد عندما حلت هيئة إصلاح الإعلام نفسها؟ نقابة الصحافيين بالأساس ونجيبة الحمروني رحمة الله عليها.
وهنا لا يمكن أن ننسى الدور التاريخي الذي لعبته نقيبة الصحافيين آنذاك في الوقوف ضدّ النيران المتأتية من كلّ حدب وصوب (من الحكومة والترويكا والنهضة وبعض الصحافيين ومن مشتقات التجمع التي أرادت أن تعود إلى الساحة) وهي صامدة وحافظت على المكتسبات وسلمت الأمانة إلى المكتب الحالي... ولهذا يجب أن تأخذ نجيب الحمروني حقها...
ظلّ المشهد الاعلامي المكتوب إلى حدّ يومنا هذا بلا هيكل تأطيري، فما مردّ هذا التباطؤ؟
عندما أصبحت لنا حكومة ومؤسسات دائمة بعد اعتماد دستور جانفي 2014 والانتخابات التشريعية، كان على الدولة ان تستحدث هياكل وآليات لإصلاح الإعلام وللإشراف عليه ودعمه وتطويره.. لماذا؟ لأنّ الإعلام مصلحة عامة، واليوم سجلنا في الدستور ـ في الفصل 32 ـ أنّ الدولة تضمن حق المواطن في الإعلام، فكيف للدولة أن تضمن هذا الحق إذا لم يكن لها لا آليات ولا هياكل ولا سياسة!
ماذا ينقصنا إذا؟
 تنقصنا اليوم سياسية عمومية في مجال الاعلام، إذ نلاحظ نشازا بين بعض تصريحات الوزراء الفنيين الذين يقولون إنه من صلاحياتهم التحكم في القطاع وتحديد القنوات التي تستحق البث وبين الهايكا التي تقول إنّ ذلك من مشمولاتها وذلك لأنّه لا توجد سياسة عمومية في مجال حق المواطن في الإعلام وفي مجال تطوير الإعلام وتمكين الديمقراطية الناشئة من خدمة إعلامية راقية ومستقلة وحرّة وذات جودة وهي النقاط التي مازالت لم تتوفر إلى حدّ الآن... أدعو صراحة إلى أن لا نترك قطاع الاعلام كما هو عليه حاليا.. خاضع الى تأثيرات غير واضحة وغير معلنة ودون شفافية وبلا رؤية. عادة ما تضع الدولة سياسات عامة في مجال الاعلام بعد مسار تشاوري مع المهنيين ومع الخبراء ومع من يمثل الجمهور لأنّنا في نهاية المطاف لا نصنع إعلاما للمهنيين أو للصحافيين بل إنّنا نقدم خدمة إعلامية للجمهور. كما لا يوجد من يسهر على ذلك باعتبار أنّه لا يوجد هيكل عمومي...

كانت هناك «الهايكا» التي نظمت مجال الاتصال السمعي البصري..
الدولة اقتصرت على توفير هيكل «الهايكا» على علاته وضعفه والتنكيل به من قبل بعض الأطراف ولكنه مكسب وآلية لتأطير وتطوير الإعلام السمعي البشري بعيدا عن الإشراف الحكومي، وهذا مكسب يجب أن نحافظ عليه حتى لا نعود للإشراف الحكومي على الإعلام وخاصة على الإعلام السمعي البصري ناهيك أنّ الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري مدرجة في الدستور وتحديدا في الفصل 127 منه وهي بصدد الإحداث على مستوى وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.
غير أن ذلك لا يكفي لأنّ الهيئة تغطي المجال السمعي البصري وحده وتبقى الصحافة المكتوبة والالكترونية وتبقى كذلك وكالة الأنباء وتبقى وضعية الصحفيين وتبقى اقتصاديات الاعلام ومنها قضية الإشهار العمومي، تبقى كلها ملفات بدون اشراف وغير معقول أن لا يوجد من يتولى معالجة هذه الملفات وهناك تخل من قبل هذه الحكومة على مسؤوليتها الدستورية والتي هي مطالبة بالقيام بها بمقتضى الدستور.
تدعون إذا لإستحداث هيكل ينظم قطاع الصحافة المكتوبة؟
ندعو الى التعجيل في استحداث آليات وليس وزارة، وهيئات مستقلة مثل مجلس الصحافة الذي وسيقع إحداثه بالشراكة بين المجتمع المدني والمهنيين والدولة. ومجلس الصحافة ـ حسب المشروع الحالي ـ سيكون دوره اساسا للتعديل الذاتي ولكنه ليس بهيئة بشرفية، قلنا إنّه من المفروض أن يكون لمجلس الصحافة شيء من السلطة على الأقل في وضع الضوابط مثلا في مجال الإشهار العمومي...
أمّا في ما يتعلق بالأخلاقيات، فلا توجد اليوم جهة شاملة بالنسبة للأخلاقيات، هناك الميثاق الشرف بالنسبة للصحافيين، المديرون لهم أيضا ميثاقهم، وسيكون مجلس الصحافة الجهة المشرفة على إعداد الميثاق الأخلاقي الجديد وعلى متابعة تنفيذه واحترامه... حالما سيتم اعتماد قانون الصحافة الجديد -الذي سيكون في شكل قانون أساسي- سيتم التخلي على المرسوم 115. وقد أدخلنا في فصول القانون الأساسي الجديد فصلا ينص على إحداث مجلس الصحافة. وستكون لهذا الهيكل صبغة مزدوجة: هيكل عمومي وفي نفس الوقت مستقل وغير خاضع لأي سلطة عمومية...
ومتى يكون الاطار القانوني الذي سينظم الاعلام جاهزا؟
من المنتظر أن يكون الإطار القانوني الجديد للاعلام والذي سيعوض المرسومين 115 و116 جاهزا  في جويلية المقبل ومن الممكن أن يقع عرضه على المجلس النيابي نهاية سبتمبر أو خلال شهر أكتوبر القادم... مع العلم أنّ مشروع القانون المعوض للـمرسوم 115 مُثبت لمكاسبه ومطور للبعض الآخر..
وقد سهر على إعداد هذا الإطار القانوني كل من وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان والهايكا والمنظمات المهنية بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية.
تعاني مؤسسة التلفزة الوطنية من لبس على مستوى إدارتها العامة، فأين يكمن الحل في نظركم؟
اليوم هناك وضعية غير مقبولة على رأس التلفزة الوطنية، ويجب تسوية تسمية الرئيس المدير العام بكل سرعة، فالرئيس المدير العام الحالي يجب ان يتحصل إمّا على الرأي المطابق من قبل الهايكا، أو أن يقع فتح باب الترشح في هذه الخطة وتسوية وضعية رئاسة التلفزة في أقرب الحالات لأنّها في وضعية غير قانونية في الوقت الحاضر وهذا ما يضرّ أداء المرفق العمومية التلفزي الذي نعتبره هاما خاصة عندما نرى أن قنوات القطاع الخاص تعبر عن حرية اصحابها ولا تلبي بالضرورة حق المواطن في الإعلام.. فهي تخضع لخطوط تحرير مالكيها ولا يمكن أن نفرض عليهم تلبية كل الأذواق واحترام الموازنات السياسية وكل الآراء. إذا من يوفر خدمة إعلامية شاملة ذات جودة؟ من المفروض أن يكون ذلك المرفق العمومي ونحن متشبثون به ونعتبر أنّه يجب دعمه وتطويره.

حاورته شيراز بن مراد